السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاتة.
أنا فتاةٌ صغيرةٌ، عمري أربعة عشر عامًا، أحسُّ بأنَّ حياتي كلها مشاكل، وسأبدأ بمَشاكلي العائليَّة:
تربَّينا في جوٍّ مِنَ التوتُّر والعُنف والإهانةِ؛ فأبي دائمًا ما يهين أمي أمامنا، وهي مريضةٌ جدًّا، ونحن - للأسف - نتطاوَل عليها، وقد تعوَّد والدُنا على السبِّ والشَّتْم حتى في الشارع! وأخشى أن تتوتَّر العلاقةُ بينهما، وتصلَ إلى الطلاق!
مع شعوري بأنه يُحب أمي كثيرًا، ويُثني عليها خيرًا مِن ورائها ويمدحها، حتى إنها لما مرضتْ بكى كثيرًا، لكني دائمًا أفَكِّر في تقلُّب مزاجِه معها.
أما أخي الأصغر قد قاطعني منذ سنوات، ولا يكلِّمني، وهو الآن يحاول أن يُكَلِّمني ويُصَالحنِي، فقلتُ: المسامح كريمٌ، وأما أختي الأخرى، فنحن في شِجارٍ دائمٍ يَصِل إلى الضَّرْب، وطول الوقت مُنشغلة بصديقاتها، فهنَّ أهم عندها مِن أي أحدٍ، وكم كنتُ أتمنَّى أن نكون صديقتينِ، لكنِّي أحس بأني أكرهها! أما أخي الأصغر منها، فأنا أحبُّه كثيرًا وهو كذلك، إلا أنَّ الأمر لا يخلو مِن شجارٍ بيننا أيضًا.
أُريد أن أتَغَيَّر معهم جميعًا للأحسن، لا أشعر وسطهم بأني في عائلتي، كما أتمنى أحيانًا أن أهربَ منهم؛ حتى يشعروا بقيمتي وقيمة الأسرة كلها! لا أشعر أننا جميعًا نُحب بعضًا، ولا تواصُل بيننا، حتى تمنَّيتُ ألَّا يكونوا عائلتي؛ هذا عن جانب العائلة.
أما جانب المدرسة، فلي مُدرِّسة أحبُّها جدًّا، وعندما جاءتْ معلِّمةٌ غيرُها لتدرِّس لنا بكيتُ وحزنتُ، ولما عَرَفتُ أنها ستعود لتدريسنا كدتُ أطير مِن الفرح، مرت الأيامُ وأصبحتْ تتعامل معي بأسلوبٍ غريبٍ؛ فهي تُراقبني دائمًا، وتسألني أنا دون بقية الطالبات، وتُطيل النظر إليَّ في كلِّ لحظة، حتى عندما تركت التدريس لنا ما زالتْ تُلاحِقُني بنظراتها.
وعندما جاءت الإجازةُ قلتُ: سأُحاول أن أنساها، وبالتأكيد فإنها قد نَسيتْنِي، لكني تعلَّقتُ بها أكثر، وتمنَّيتُ أن تدرِّسَ لي مرة أخرى!
أريد أن أعرفَ هل هي تحبني أو لا؟! وماذا تريد هذه المعلمةُ مني؟ لقد تعبتُ كثيرًا، أخْبِروني ماذا أفعل تجاهها؟ وما الحلُّ مع عائلتي؟
وشكرًا لكم.
الجواب
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أختي الغالية، أَسْعَدتني استشارتكِ لنا، وثقتك فينا، ونتمنَّى مِن الله أن تصبحَ حياتُكِ في قمَّة الجمال والرَّوْعة بعد رسالتي لكِ.
بالنسبةِ لعَلاقة والدكِ مع والدتِكِ التي تسبِّب لكِ بعضَ التوتُّر، فلقد لاحظتُ أنكِ كما ذكرتِ عُيوبَ والدكِ ذكرتِ مميزاتِه؛ فهذا مِن الإنصاف منكِ، بارك لكِ الله, ومِن المعروفِ أنَّ كلَّ شخصٍ له عيوبٌ وله مميِّزاتٌ، وهذه سُنَّة الحياة، ولقد خَلَقنا اللهُ لنُعالِج عيوبَنا ولا نُؤذي بها الآخرين.
فهمتُ مِن كلامكِ أنَّ شخصيَّة والدكِ قد تكون مُتهوِّرة بعض الشيء، وسريعة الانفعال، ولكن الذي أريدُ منكِ أن تُخَفِّفي مِن هذه الهموم على نفسكِ، ولتُخرجي نفسكِ مِن إطار الحكم على عَلاقتهما، فكلٌّ مِن والديكِ يعرفُ قيمةَ الآخر، أنا لا أُنكر أن أسلوبَ والدكِ خطأٌ في التعامُل مع والدتكِ في بعض الأحيان، ولكن هذا يخصُّهما فقط، فكلُّ عَلاقة اجتماعيةٍ لا بدَّ وأنْ يَشُوبَها بعض المشاكل، كما ذكرتِ أنكِ أحيانًا تتضاربين مع أخيكِ أو أختكِ؛ فطبيعيٌّ وُجود بعض المشاكل مع الأم والأب ويجب أنْ تثقي في أنَّ والدتَكِ لديها مِن الذكاء والفِطْنَة لتعرفَ كيف تُحافظ على زواجها، ولذلك فهي مُستمرَّة في العَلاقة مع والدكِ إلى هذا العمر، بالرغم ممَّا تراه منه؛ مِن إهانةٍ في بعض الأحيان.
والذي أُرِيد إيصالَه لكِ: أنَّ هناك الكثيرَ مِن العَلاقةِ الحسنة بينهما، التي تجعل والدتك تَصبِر على والدكِ؛ فالمشكلةُ بينهما ليستْ كما يتصوَّرها أحدُ الأبناء.
أما بالنسبة لعَلاقتك بأخيكِ، الذي كان مقاطعَكِ وصالحَكِ، وأنتِ ذكرتِ أنكِ قد سامحتِه، فعليك بنسيان هذه المقاطَعة تمامًا، وبَدْء صفحةٍ جديدة معه.
أما أختكِ التي تُكثِر مِن التواصُل مع صاحباتها على راحتها، في بلا شك تُحبك جدًّا، فلتبدئي أنتِ بمُصارحتِها لتعطيَكِ بعض الوقت لتقضيانِه معًا، شاركِيها قصصَكِ وأحداثَكِ اليومية، اطلبي منها المساعدةَ بعض الأوقات، مع تقْديم كل الاحترام والتقدير والحبِّ لها على أيَّة حال، أرى أنه قد يكونُ أقربَهم لكِ أخوكِ الصغير، فاستمرِّي في عَلاقتك الجميلة معه، ولتثقي في أنه لا بدَّ مِن المشاكل التي تتخلَّل عَلاقات الإخوة كما يحدُث في كلِّ منزلٍ.
وأخيرًا جانب المعلِّمة التي تُكثِر النظَر إليكِ، وأنك تشعرين بريبةٍ تُجَاهها واستفهامات: فعليك باللا مبالاة لها، ولا تعطيها فرصةً لتزيد عَلاقتكِ بها، عامليها كأيِّ مدرِّسة، لا تُراقبيها، وتجاهلي كلَّ ما تفعله، ولا تبحثي عن سببٍ لما تفعله.
أنصحُكِ أخيرًا باستغلالِ أوقاتِ فراغكِ؛ بمُمارسة هواياتك المحببة، وتعلُّم فنونٍ جديدة، ودعي التركيز على العَلاقات مع الناس، وركِّزي على الاستمتاع وقضاء وقت جميل مع الآخرين فقط؛ فالحياةُ طيِّبة وجميلةٌ، وأنا كلِّي أمل بأن تتغير صورتُكِ للحياة بشكلٍ أكثر إيجابية.
وفَّقكِ الله ورعاكِ، ولا تنسي أن تدعي الله بكلِّ ما فيه صلاحٌ لكِ
رابط الموضوع:
http://www.alukah.net/Fatawa_Counsels/0/59419/#ixzz2dqIGAQdB